اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
82415 مشاهدة
إذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكم الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشارح -رحمه الله تعالى-
فصل: فيما ينقض العهد .
فإن أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكم الإسلام، أو قاتلنا.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
هذا الفصل فيما ينتقض به عهد الذمي الذي أعطيناه عهدا وأعطيناه ذمة، وأمناه على نفسه وعلى ماله وعلى أهله وأولاده، واشترطنا عليه شروطا إذا وفى بها وفينا بما أعطيناه من الأمان، وإذا أخل بها انتقض العهد الذي بيننا وبينه، وأصبح حربيا يحل قتله ويحل ماله. ذكروا هذه الخصال التي ينتقض بها العهد؛ فمنها:
أن يمتنع من بذل الجزية، وهي المال الذي يضرب عليه سنويا - كما تقدم - ويؤديه وهو صاغر؛ لقوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فإذا امتنع من بذلها انتقض عهده؛ لأنه عوهد على شيء ولم يف به.
ثانيا: إذا امتنع من التزام أحكام الإسلام انتقض أيضا عهده قد تقدم أنه يلزم بأحكام الإسلام، وأن الإمام يأخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض، ويقيم الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله، فإذا التزم أحكام الإسلام فهو ذمي، وإذا امتنع من تطبيق أحكام الإسلام عليه فهو مرتد منتقض العهد، لا ذمة له ولا عهد.
معلوم أن أحكام الإسلام تنطبق على أهل الإسلام بمعنى أنهم يعاملون أن المسلمين يعاملون مثلا بما يقتضيه تعامل الأحكام الإسلامية؛ ففي الأنفس القصاص. إذا مثلا: أن ذميا قتل ذميا فحُكمنا أنه يقتص للقاتل أي: يقتص من القاتل حكما إسلاميا مع أنه أيضا حكم لهم؛ قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وكذلك في المال والعرض؛ فإذا أتلف أحدهم مالا ألزم بغرامته، سواء كان لمسلم أو لغير مسلم، سواء كان متعمدا أو غير متعمد، يلزمه غرامته. كذلك إذا قذف؛ إذا قذف مسلما أقيم عليه الحد، حد القذف الذي في القرآن يلزمه أن يخضع لإقامة الحد.
وكذلك إذا زنى ولو بذمية يقام عليه الحد الذي هو الجلد مع عدم الإحصان والرجم مع الإحصان، وكذلك التحاكم. إذا تحاكموا إلينا نحكم بحكم الإسلام؛ لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ فنحكم بينهم بكتابنا الذي هو شرعنا إذا تحاكموا إلينا، وإن لم يتحاكموا تحاكموا إلى رؤسائهم لم نطلبهم؛ لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ خيره بين الحكم والإعراض.
هذا مما ينتقض به عهدهم إذا امتنعوا وقالوا: لا نخضع، لا نخضع لحكم الإسلام.
من أحكام الإسلام إذا كانوا في بلاد المسلمين أن يلتزموا تعاليم الإسلام إذا كانوا فيما بين المسلمين؛ فلا تتبرج نساؤهم فإن امتنعت وتبرجت انتقض العهد، وكذلك لا يظهرون الأكل في رمضان نهارا، إن فعلوا ذلك عنادا انتقض العهد، وكذلك لا يعملون في أوقات الصلاة في حرفهم أو ورشهم أو مصانعهم، فإن فعلوا ذلك؛ لأنه يؤخذ عليهم العهد في البلاد الإسلامية أن لا يعملوا شيئا والناس يصلون؛ إن فعلوا ذلك انتقض العهد؛ لأن هذا مما يؤخذ عليهم التزامه، وكذلك لا يجهرون بكتابهم فيما بين المسلمين ولا ينشرون كتبهم ولا يظهرون الدعاية إلى النصرانية أو إلى اليهودية وهم بين المسلمين.
ولا يفتنون الناس ولا ينشرون شبهاتهم، إن فعلوا ذلك انتقض عهدهم؛لأن هذه تعاليم تنافي شعائر الإسلام، والمسلمون يسوءهم أن يظهر فيما بينهم شيء يخالف شعائرهم، وهكذا إعلاناهم للمحرمات يعتبر أيضا ناقضا ولو كانت مباحة عندهم، فلا يعلنون شرب الخمر ولا بيعها علنا، ولو كانت مباحة في شرعهم كما يقولون، ولا يعلنون أكل الربا ولا المعاملات الربوية مع أنها محرمة عليهم؛ قال تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وهكذا أيضا لا يعلنون شيئا فيه تنقص للمسلمين كما سيأتي.
فالحاصل: أن هذه ينتقض بها عهدهم، وسواء كانوا ذميين أو معاهدين أو مستأمنين وهم بين المسلمين؛ لأن الكفار لا يخرجون عن هذه الصفات الأربع: إما أن يكون ذميا؛ وهو الذي يبذل الجزية، وإما أن يكون معاهدا؛ وهو الذي بين المسلمين وبينه عهد كدولة بين المسلمين وبينهم عهد، وإما أن يكونوا مستأمنين؛ وهو الذي يدخل بلاد الإسلام بأمان وإما أن يكونوا حربيين؛ ليس بيننا وبينهم إلا الحرب.